سعيد حارب
صحيفة العرب القطرية
لم يرد الصهاينة أن ينقضي العام دون أن يلطخوا صفحاته بدماء الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، فكانت مذبحة غزة التي تضاف إلى سجل المذابح الصهيونية، والتي لن تتوقف مهما فعل أهل فلسطين ومهما قدموا من تنازلات. فإذا كانت صواريخ المقاومة هي السبب، فهل توقف العدوان حين توقفت هذه الصواريخ أثناء الهدنة لمدة ستة أشهر؟ لقد قتل الصهاينة أطفال فلسطين قبل الصواريخ ولن يتوقفوا بعدها، قتلوهم بالحصار حين رفضوا أن ينفذوا ما أقروه في الهدنة وبموافقة الوسطاء وتعهدوا برفع الحصار إذا توقفت الصواريخ، فما الذي حدث؟ لقد بقي الحصار ولم يرفع، ولم تفتح أي من المعابر، سواء تلك التي تؤدي إلى الأرض المحتلة، أم التي تؤدي إلى مصر، ولم يسمحوا بدخول الطعام والدواء إلا بمقدار ما يحفظ لـ «الضحية» رمقها حتى لا تموت، وحتى يستمر تعذيبها إلى أطول فترة ممكنة، في صورة من السادية البشعة التي تتلذذ بقتل الشعوب وتدميرها! إن المشكلة ليست في حماس أو فتح أو الجهاد أو الشعبية أو أي من التنظيمات الفلسطينية، بل المشكلة في شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وهذا الشعب مطلوب لـ «المقصلة» الصهيونية، فستون عاماً من الاحتلال والتهجير والشتات والقتل والمذابح داخل الوطن وخارجه لم تكن كافية لهز صلابة هذا الشعب المقاوم والباحث عن الحرية، وستون عاماً من المؤامرات والخيانة واتفاقيات التسليم والاستسلام لم تكن كافية ليرفع الجزار سكينه عن رقبة هذا الشعب الأبيْ، وستون عاماً من الشعارات والنضالات والمؤتمرات والتوصيات والقرارات لم تغير من قناعة الفلسطينيين بأن لهم أرضاً وأنهم يحلمون بالعودة إليها كما تحلم الطيور المهاجرة بالعودة إلى أعشاشها، وستون عاماً من تفريط الأبناء وتخاذل الأشقاء وتفرج الأصدقاء لم تكن مقنعة لهذا الشعب بأن يتنازل عن حقه. إن مذبحة غزة لم تكن بأيدي الصهاينة وحدهم، بل فتش عن أيدي بعضها لا يعدم التحدث بالفصحى، فبعض العرب لا يريد أن يسمع عن «شي» اسمه فلسطين، ولا عن تحرير أرض، ولا عن عودة شعب، وهو أشد حرصاً -ربما من الصهاينة- على إغلاق هذا الملف والعودة إلى الأسرّة الهادئة في آخر اليوم، فقد سئم كثير منهم القضية وأهل القضية، وهو يريد أن «يعيش»! ولذا فحين يصك مسمعه اسم فلسطين أو حقوق أو مقاومة تنتفخ أوداجه، ولكن لا بأس من «شيْ» من التنديد أو الاحتجاج لزوم «حفظ ماء الوجه» كلما سالت دماء الفلسطينيين في غزة أو الضفة أو القدس. إن المسألة ليست في حماس أو الجهاد أو الشعبية أو غيرها من التنظيمات الفلسطينية المقاومة -كما يصور البعض- فهذه التنظيمات وليدة الشعب الفلسطيني، بل المشكلة في هذا الشعب العصي على الاستسلام، ولذا فلابد من «جز» رؤوس من يقود هذه المقاومة، ومن لا يوقن بذلك فله أن يطلع على رغبة «بعض العرب» في هذا «الجز»، فقد نشرت صحيفة الخليج الإماراتية يوم الجمعة الموافق 19 ديسمبر الحالي موضوعاً تحت عنوان «تسريبات» إسرائيلية عن رسائل عربية «لتصفية حماس» جاء فيه: «صدرت تسريبات من الكيان الصهيوني أمس مفادها أن «إسرائيل» تلقت رسائل من «محافل رفيعة المستوى» في دول عربية تشجعها على استئناف عمليات الاغتيال في قطاع غزة واستهداف القيادة السياسية والعسكرية لحركة «حماس»، وذكرت صحيفة «معاريف» العبرية أن بعضها طالب بـ «جز رؤوس» قيادة حماس. وذكرت الصحيفة أن القيادة المستهدفة من قبل الجيش «الإسرائيلي»، في حالة اتخاذ الجهات المسؤولة قراراً باغتيالها تشمل شخصيات سياسية وفي مقدمها إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة، وسعيد صيام وزير الداخلية فيها، ومحمود الزهار من قادة «حماس»، أما الشخصيات العسكرية المستهدفة فتشمل أحمد الجعبري رئيس الذراع العسكرية لـ «حماس» في غزة، وإبراهيم غندور وهو مسؤول كبير في الذراع العسكرية، ومحمد ضيف وهو مسؤول كبير أيضاً، وسبق أن أصيب مرات في محاولات لاغتياله. وحسب الصحيفة، فإن قائمة التصفية تشمل أيضاً د. جمال الخضري النائب في المجلس التشريعي، ورفض مسؤولون «إسرائيليون» اعتبار الخضري رجلاً إنسانياً غير مرتبط بـ «حماس»، معتبرين أنه مقرب من هنية ومنخرط في دعاية كاملة ضد «إسرائيل»، حيث يترأس لجنة مقاومة الحصار على غزة». (انتهى النقل) رب قائل إن هذه تسريبات «إسرائيلية» للوقيعة بين العرب والفلسطينيين، وكان المرء يتمنى أن يكون الأمر كذلك، إلا أن الأحداث على الأرض تؤكد ذلك، فها هي عملية «الجز» تطال نساء وأطفال وشيوخ فلسطين، وما زال العرب والعالم ينددون ويطالبون بضبط النفس، وكأن الذي يحدث شجار على الطريق أو اختلاف بين اثنين يجلسان في مقهى! ولا يدعي أحد أن المطلوب هم قادة حماس وحدها، فالعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني كان قبل حماس وسيستمر بعد حماس، فمنذ اليوم الأول لاحتلال فلسطين لم يتوقف الصهاينة عن ارتكاب المذابح، وإذا كانت حماس السبب، فماذا قدم الصهاينة للرئيس ياسر عرفات -رحمه الله- منذ توقيع اتفاقية أوسلو وحتى وفاته؟ هل وفَّى الصهاينة بما وقعوا عليه في مدريد وواشنطن وأوسلو وشرم الشيخ وغيرها من الاتفاقيات التي أعطت لليهود كل ما طلبوه، وأعطت للفلسطينيين «كل» الوعود؟ إذا كان الصهاينة يقومون بجريمتهم في غزة، فإن بعض العرب شركاء في هذه الجريمة، شركاء عند الحصار على غزة، وشركاء عند تجويع الفلسطينيين حتى اضطروا لأكل علف الحيوانات، وشركاء عند تبرير العدوان والمذابح، وشركاء عند تأجيجهم للخلاف بين الفلسطينيين، وشركاء عندما يحدثونك عن «الواقعية» و«العقلانية» في التعامل مع الأحداث، وشركاء عند البحث عن شمّاعة يلقون عليها بالمسؤولية عن هذه الجرائم والمذابح، وشركاء في العجز عن الدفاع عن أطفال غزة ونسائها وشيوخها.. شركاء في كل قذيفة تسقط على رؤوس الأبرياء، وشركاء في كل قطرة دم أريقت على أرض فلسطين، وشركاء في كل روح أزهقت في غزة، وشركاء في صرخة كل طفل صرخ من الجوع أو الألم أو الجرح، وشركاء في موت كل مريض لم يجد العلاج أو الدواء. هم شركاء في كل ذلك، فلا نامت أعين «الشركاء»! |